لم يكتشف أنور، ابن مدينة تطوان، موهبته الموسيقية في وقت مبكر. حيث بدأ مشواره الفني في البداية، في مجال الاقتصاد والإدارة. وقال الفنان الذي ترعرع رفة إخوته في بروكسيل "هاجر أجدادي من جهة أمي إلى بلجيكا عام 1962 لتلتحق والدتي بهم في سن الثالثة". وبعد أن تلقى أنور تعليمه الابتدائي وجزء من المدرسة الثانوية في بلجيكا، عاد رفقة والدية من أجل الاستقرار في المغرب، من أجل إنشاء مشروعهم الخاص في مجال التجارة.
ويحكي أنور خلال حديثه مع موقع يابلادي "كان من الصعب جدًا بالنسبة لي أن أعود، وأنا في الخامسة عشرة من عمري، خاصة وأنني كنت أتحدث لغة عربية عفا عليها الزمن منذ الستينيات، تلك التي سمعت أجدادي يتحدثون بها في بلجيكا. كان عليّ أن أتأقلم من جديد وأعيد التواصل مع البلد الذي كنت أقوم بزيارته في العطل الصيفية". ويتذكر الفنان الذي واصل بقية تعليمه الدراسي، في مسقط رأس والده. وبعد حصوله على دبلوم البكالوريا في الاقتصاد، واصل دراسته كتقني كمبيوتر لمدة عامين "لقد تعلمت الكثير من الأشياء من المغرب، حول تاريخي، وتاريخ عائلتي، ومن الحي الذي نشأ فيه أجدادي... ثم تعلمت الكتابة باللغة العربية".
دون أن يخطط لمسار مهني في مجال الموسيقى، كان أنو متأثرا بالنوع الموسيقي الذي كان يستمع له والديه "كان والدي مولعًا جدًا بأغاني الستينيات والسبعينيات، منها لوودستوك، وجيمي هندريكس، وجيمس براون. فيما كانت والدتي تستمع خوليو إغليسياس، وبيبي كينغ، بالإضافة إلى الموسيقى العربية. وبحكم عشقه للأدب الفرنسي، وخاصة أعمال ألكسندر دوما، شرع أنور في الكتابة.
وأوضح قائلا "كان ذلك يسمح لي بالهروب وخلق لحظات حيث يمكنني إعادة التواصل مع الثقافة التي نشأت فيها في بلجيكا" وأضاف "كما كان والدي يحب شراء الآلات الموسيقية من أسواق السلع المستعملة في بروكسل، لذلك كنا نستمع للكثير من الموسيقى".
دعم كبير
واكتسب أنور ثقة أكبر من محيطه أيضا وقال "في أحد الأيام، سمعني أحد أصدقائي أدندن أغنية للورين هيل، وأخبرني أن لدي صوتًا جميلًا جدًا وهو ما جعلني أثق بنفسي أكثر، وأصبح ما أنا عليه اليوم". وكان أول اتصال له بالموسيقى المحلية في تطوان، خلال لقاء مع موسيقي كناوي. وفي وقت لاحق، التقى بمجموعة "ريف كناوة"، التي انضم إليها، ككاتب كلمات بالفرنسية.
وسمحت هذه الخطوة لأنور بتقديم عروض في مهرجان كناوة للموسيقى العالمية بالصويرة، وكذلك في مهرجان البولفار بالدار البيضاء. كان ذلك قبل وقت قصير من قراره بمغادرة المغرب، وفي إسبانيا، عمل في مقهي إنترنت لإعالة نفسه، ثم توجه إلى بروكسل وقال "لقد ساعدني والداي كثيرًا، خاصة ماليًا، ولكن في مرحلة ما عليك أن تعرف كيف تقف على قدميك. ومع ذلك، فقد استمرا دائمًا في دعمي في اختياراتي، على الرغم من أنهما لم يخططا في البداية لأن أصبح موسيقيًا".
وقال "لقد حضر والداي العديد من حفلاتي الموسيقية، في بلجيكا وفي دول أخرى. والدي وأمي وأخي وأختي كانوا دائما الدعم الأول لي. أعتقد أنها أعظم فرصة يمكن أن تتاح لك في حياتك: عائلة صغيرة تشجعك على متابعة ما تفعله، بغض النظر عما إذا كانوا يتفقون معك أم لا في الاختيار". وفي بروكسل، يعمل أنور على مضاعفة أعماله في عدة مجالات من بينها التنظيف والبناء، وغيرها، دون أن ينسى الساحة الفنية.
شيئًا فشيئًا، أصبح أنور في دائرة الضوء، ويتذكر ذلك قائلاً: "كل شخص قابلني ورأى إمكانات فنية فيّ فتح لي الباب"، مشدداً على "أنك لا تبني نفسك بنفسك".
وواصل "عندما نرى فناناً ينجح، نعلم أن هناك آلاف الأشخاص الذين ساعدوه، وأعطوه فرصة، ونصحوه، وشجعوه، وآمنوا به. لن تصل أبدًا بمفردك، ولكن بالطبع عليك القيام بالعمل، وأن تكون لديك الرغبة في القيام به، والتضحية بأشياء أخرى وليس لديك سوى القليل من الوقت للراحة.
للانتقال من العروض المحلية إلى العروض الكبرى في بلجيكا وفرنسا والمغرب أو في الولايات المتحدة، لغب لقاء فني دور كبيرا، فأثناء أدائه على مسرح صغير في فرنسا، اقتربت منه الفنانة زاز، الذي أعربت له عن رغبتها في مساعدته في التعريف بنفسه بشكل أفضل، وقال "طلبت مني مرافقتها في جولة الجزء الأول من حفلاتها. لقد وجدت نفسي في قاعات تضم ما بين 8000 إلى 10000 مقعد، ولا سيما زينيث، ولكن أيضًا أولمبيا أو كازينو باريس".
احتفال بثقافة مزدوجة
وفي القاعة الأسطورية Casino de Paris، تعرف أنور على ممثلي شركة Sony Music، حيث عرضوا عليه تسجيل أول ألبوم له. كما شارك في العروض الافتتاحية لـ Mickey 3D، وJaine، وBoulevard des airs، وYuri Buenaventura... ومنذ ذلك الحين، قام بمضاعفة الحفلات الموسيقية وبعدها إصدار أغنية "Beautiful Sunrise"، مع شركة Sony Music France والشركة الأمريكية Columbia Records. وفي بداية 2023، أصدر ألبومه الموسيقي "Lights" مع العلامة المستقلة ThinkZik، والتي تم توزيعها بواسطة Universal Music.
لتأكيد اسمه كفنان، أصدر أغنية "Lights" في إصدار الألبوم، في مارس 2024، مرة أخرى مع ThinkZik وUniversal Music. "كان لدي وقت للنضوج والتعلم والعمل على نصوصي وتوجيهي الفني والأساليب التي أردت اقتراحها والتعبير عن المشاعر والأحاسيس. في كل فترة من حياتنا، نحتاج إلى التعبير عن أنفسنا موسيقيًا في أشياء معينة أكثر من غيرها،" يقول لنا أنور.
وقال "أغنياتي مستوحاة من الحياة اليومية وتجعلني شخصًا شجاعًا، يروي تجربته وتجارب الآخرين الذين يقابلهم في طريقه، خاصة أنني أحب السفر واللقاءات التي يتيحها لنا ذلك".
بعد جولة أولى مع دائرة الحائزين على جائزة بلجيكا (CLB) في المغرب، كان أنور أحد أبرز المشاركين في النسخة العاشرة من Visa For Music عام 2023 في الرباط. ومن خلال هذه "التجربة الرائعة"، يأمل الآن أن يتم تعزيز الجسور بين الفنانين المغاربة ومن بلدان أخرى.
وتعتزم العديد من الفعاليات تسليط الضوء على الأشخاص من مهاجري الجيل القديم والجديد، لإحياء ذكرى تاريخهم منذ الستينيات. وأنهى حديثه قائلا "أجدادي من هؤلاء الناس. يشهد هذا الاحتفال على مساهمة الأجيال المختلفة التي تحمل هذه الهوية المزدوجة، والتي اندمجت هنا وكانت ثروة كبيرة لبلديها" وأَضاف "هذا يشرفني".